احذروا غضب الجبار بقلم : عامر شماخ

1

كل يوم، بل كل ساعة تأتينا آية تحذرنا من السير فى الطريق الملىء بالأشواك، الغارق فى الوحل، ولكننا نصم الآذان، ونجعل أيدينا فى وجوه الناصحين، ولو دام حالنا على هذا الإعراض والصدود، فلسوف تكون عاقبتنا هى عاقبة أقوام جاء ذكرهم فى كتاب الله تعالى، بعدما غضب الله عليهم، فأرسل عليهم جنوده التى لا يعلمها إلا هو، فأصبحوا أثرًا بعد عين.

من كان يظن أن مصر الآمنة تتحول إلى هذا الخوف والاضطراب؟! ومن كان يتصور أن يكون بين المصريين كل هذه العداوة والشحناء؟! وهل مر على بلدنا مثل هذه الأيام الكالحات التى عز فيها الخير، وقل فيها الزاد، وقد ابتلينا بالغلاء والبلاء؟!.. وهذا- لعمرى- غضب الحليم علينا، بما كسبت أيدينا، وبما وقع من ظلم، وما جرى من دماء، وبما جاهر به الحكام الفاسقون من معاداة دين الله وحرب أوليائه.

إنكم لن تجدوا قومًا ابتلاهم الله كما يُبتلى المصريون الآن، إلا جراء ما صنعوا من عدم إنكار المنكر، وعدم الأخذ على يد الظالم، والركون إلى المجرمين ومسايرتهم فى المجاهرة بالمعصية، والوقوع فى حدود الله ومحارمه، كمثل بنى إسرائيل الذين لعنهم الله على لسان رسله وأنبيائه؛ لنفاقهم وسوء تفكيرهم؛ إذ يعيشون اليوم فلا ينظرون إلى الغد، ولا يتفكرون فى قوانين الله التى لا تحابى أحدًا، ولا تجامل مخلوقًا ولو كان نبيًا رسولا.

يغضب الله على العباد فيسلبهم ما آتاهم، ويمنعهم بعد العطاء، ويسوق إليهم الكوارث والمصائب بما كسبته أيديهم، ويضلهم بعد هدى، ويجعلهم فقراء مهانين، وما كان ربك ظالمًا الناس شيئًا، ولكن الناس أنفسهم يظلمون؛ من أجل ذلك لا أعجب من هلكة قوم كانوا يتقلبون فى نعم الله، فإن ما جرى عليهم وقع بما كسبت أيديهم، ويعفو ربك عن كثير، واقرأ إن شئت قول الله [ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (الروم 41)، واقرأ: “وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21 الروم).

إنه لا يخفى على الله شىء، وربك لا يُخدع، وهو يعلم من ضل ومن اهتدى، وقد أشار إلى أقوام كانوا من الأخسرين أعمالا، ضل سعيهم فى الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا، هؤلاء الأقوام هم من يظلمون، ويفجرون ويقتلون ويسرقون ويأكلون أموال الناس بالباطل، ويقولون نفعل الخير ونأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، وهم أشر خلق الله، إنما فعلوا ذلك يستخفون بالناس ويخدعونهم؛ ليستحوذوا على ما بأيديهم من جاه ومال وزخارف الدنيا، ولا يدرون أن مكر الله شديد، وكيده متين، وعذابه أليم “أفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (45 النحل).

ويهلك الله القوم إذا بلغت ذنوبهم حدًا يفسد على الناس معايشهم، وقد أعطاهم الفرصة بعد الأخرى ليتوبوا، فإذا أصروا على غبائهم وغيهم دمر ما كانوا يصنعون، وحول حياتهم نكدًا وضنكًا، والخالق لا يعجزه شىء فى الأرض ولا فى السماء، فمن قبل أهلك فرعون وقومه؛ لظلمهم وغشمهم فأرسل عليهم الآيات تترى. وخسف بقارون الأرض؛ لفساد عقله وجبروته، واستعلائه بما آتاه الله. وهزم الجمع فى الخندق؛ الذين شاقوا الله ورسوله، وانساقوا وراء أهوائهم وحظوظهم، فردهم خاسرين خائبين.

إن أبواب الرجوع إلى الله مفتوحة غير موصدة، وهو- تعالى- يفرح بتوبة عباده، فيرفع عنهم البلاء، ويفتح لهم أبواب السماء بالرزق والماء، وفى يونس وقومه أشهر مثال. فالفرج والرخاء رهن بتوبة العباد واعتذارهم عما وقع منهم، وعودتهم إلى حظيرة الإيمان، ورد الحقوق إلى أصحابها، فإذا لم يفعلوا فهذا وعيد الله، وكل فريق بحسب نيته، فأما أهل الخير فإلى الجنات، وأما الآخرون فإلى عذاب الله وبئس المصير.. وقانون الله حاسم حازم لا يفلت منه مجرم واحد.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...