الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
الدعاء راحة للنفس “
وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ
الدعاء هو العبادة ،وهو واجب فى السراء والضراء ، وفى الرخاء وفى الشدة ، وأساس ذلك قول الرسول صلى الله :
“ تعرف إلى الله فى الرخاء يعرفك فى الشدة ” ، وهناك علاقة قوية بين الدعاء والترويح عن النفس ولاسيما وقت الأزمات والشدة والتعب والمشقة.
ولقد ورد فى القرآن الكريم العديد من الآيات التى تبين فضل الدعاء وقت الأزمات والكروب ، فيقول الله تبارك وتعالى:
وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ َ[سورة غافر : 60]، ويقول الله سبحانه وتعالى:
ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المُعْتَدِينَ ، وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ المُحْسِنِينَ َ[سورة الأعراف
فهذه الآيات تشير إلى فضل الدعاء فى كل الأحوال، ومنها عند الشدائد.
ولقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم فضل الدعاء عند نزول القدر، فيقول صلى الله عليه وسلم : “ لا يرد القدر إلاّ الدعاء ولا يزيد فى العمر إلاّ البر “،
وقال صلى الله عليه وسلم : ” إن ربكم حيى كريم يستحى من عبده إذا رفع يده أن يردهما صفراً ” .
وفى سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم نماذج حية تؤكد أن الدعاء وقت الأزمات من أساليب الترويح عن النفس، فعلى سبيل المثال عندما رَدَّهُ أهل الطائف وأرسلوا صبيانهم يرمونه صلى الله عليه وسلم بالحجارة.. حتى دميت قدماه، فانصرف إلى مكة محزوناً، فماذا صنع صلى الله عليه وسلم فى هذا الموقف ؟ دعى الله عز وجل بالدعاء المشهور: “اللهم إنى أشكو إليك ضعف قوتى ، وقلة حيلتى ، وهوانى على الناس ، أنت رب المستضعفين وأنت ربى ، إلى من تكلنى ؟ إلى بعيد يتجهمنى ، أم إلى عدو ملكته أمرى إن لم يكن بك غضب عَلىّ فلا أُبَالِى ، غير أن عافيتك أوسع لى ، أعوذ بنور وجهك الذى أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة ، أن يحل على غضبك، أو ينزل بى سخطك ، لك العتبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلاّ بك )(رواه البخارى ومسلم)
وفى غزوة بدر عندما اقتربت ساعة الوطيس بين قوى الخير (وهم قلة)، وقوى الشر (وهم كثرة)، ناشد رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه وهو فى هم وخوف وقال: ( اللهم إن تهلك هذه العصابة (قوى الخير) لن تعبد بعد اليوم ) ، فقال له أبو بكر: يا نبى الله : هَوِّنْ عليك نفسك .. فإن الله منجز لك ما وعدك.
واقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم يجب على المسلم أن يدعو ربه فى كل الأوقات ولاسيما عند وقوع المصائب، وفي حالات الهم والغم والكرب، ومن الدعوات المأثورة فى هذا المقام: “اللهم إنى أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال” (رواه أبو داود)، وكذلك الدعاء المأثور: ” اللهم إنى عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتى بيدك، ماض فىّ حكمك عدل فىّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك ، أو أنزلته فى كتابك ، أو علمته أحداً من خلقك ، أو استأثرت به فى علم الغيب عندك ، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبى ، ونور بصرى ، وجلاء حزنى ، وذهاب همى وغمى” ( رواه النسائى ) .
وعند المرض يهرع الإنسان إلى الله بالدعاء ويقول : “ أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يشفينى .. ” (رواه مسلم) ، ويقول كذلك : “اللهم رب الناس اذهب البأس أشف وأنت الشافى ولا شفاء إلاّ شفاؤك شفاء لا يغادر سقما ” (رواه البخارى) .
إن هذه الدعوات وغيرها تعتبر العلاج الروحى المعنوى الذى له أثر طيب فى حالات التعب النفسى والبدني وفى حالات الفتور والْهَمْ والغم ، ومن الناس من يلبس عليه الشيطان فى حال الشدة فيصرفه عن ذكر الله وعن الصلاة فيقول لا أذكر الله ولا أصلى حتى لا يقول الناس أننى فعلت ذلك بسبب هذه الشدة وهذا غير صحيح لأنه من خصال الطبيعة البشرية الخوف، وأمرنا الله أن نلجأ إليه، فقال عز وجل : وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ َ[سورة الروم: 33] ، إلاّ أن الوصف ينتقل إلى حال أخرى تصور إلى حال المجرمين الذين لا يقبلون على الله فى حال الكرب والضيق فيقول الله تبارك وتعالى فيهم :
وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ َ[سورة الروم : 36] .