المرأة …أمًا وزوجةً وسندًا

1

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
لعبت المرأة دورًا هامًّا ، سواء كانت أمًا أو زوجةً أو أختًا أو بنتًا، وقد تحدث القرآن الكريم عن المرأة، كما تحدث عن الرجل، فقد خلق الله آدم وخلق منه حواء، وتناسل منهما الرجال والنساء.. قال تعالى:
﴿يَا أيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِيْ خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَّاحِدَةٍ وَّخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيْرًا وَنِسَاءً وَّاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيْبًا﴾ (النساء:1
وامتن الله على عباده بخلق الذكر والأنثى، وقدم ذِكْر الأنثى أحيانًا على الذكر، فقال سبحانه:
﴿يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ* أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾ (الشورى: 50،49)، وقد اصطفى الله من النساء كما اصطفى من الرجال، قال تعالى:
﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ* ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (آل عمران: 34،33)، وقال عز شأنه:
﴿وَإِذْ قَالَتْ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ* يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ (آل عمران: 43)، وقرن الله النساء بالرجال عشر مرات في آية واحدة.. قال تعالى
: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ (الأحزاب، 35)،
وتلك نماذج طيبة للمرأة التي كافحت من أجل نشر هُدى الله:
1- امرأت عمران
أم مريم هي امرأة عمران، وقد سميت سورة في القرآن الكريم باسمها، وهي السورة الثالثة في ترتيب المصحف (سورة آل عمران)، وامرأة عمران هي حنة بنت فاقوذا، وكانت هذه السيدة عاقرًا لا تلد، وكانوا أهل بيت من الله بمكان فتحركت نفسها يومًا لأن تكون أمًا فلاذت بربها ودعته متضرعة أن يهب لها ولدًا،، ونذرت إن حقق الله أمنيتها أن تجعل ولدها محررًا، أي خالصًا للعبادة وخدمة بيت المقدس عتيقًا من سوى ذلك، فلا تشغله بشيء من أمورها.
وقد استجاب الله دعاء المرأة الصالحة “حنة” وتمَّ الحمل وتمَّت الولادة، وكان الأمل أن يكون الوليد ذكرًا ليتوفر على خدمة بيت المقدس، وكانت خدمة هذا البيت مقصورة على الغلمان دون الإناث؛ ولذلك قالت: ﴿رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى﴾ (آل عمران: 36)، كأنها تتحسر على فوات قصدها، ولكن الله عليم حكيم، فالذكَر لا يمكن أن يقوم بوظيفة الحمل والولادة، ولا يؤدي هذه المهمة كما تؤديها الأنثى.. قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى﴾ (آل عمران: 36).
لقد أراد الله أن يقدم للبشرية دليلاً ملموسًا للعيان على قدرته وعظمته، فاختار مريم لتكون نموذجًا تظهر فيه أثر القدرة الإلهية، وانقطعت مريم في بيت للمقدس وحفِظَها الله من السوء ورزقَها ماديًّا ومعنويًّا.
2- السيدة مريم بنت عمران
هذه امرأة اصطفاها الله وحفظها من الشيطان الرجيم، كما حفظ ابنها عيسى عليه السلام، وقد ورد في الحديث الصحيح: “إن كل إنسان يتعرض لمس الشيطان حين يولد- أي يطمع الشيطان في إغوائه ويأمل أن يضمه إلى فئة من أضلهم وأغواهم- إلا مريم وابنها”؛ لأن الله حفظهما من الشيطان الرجيم.. قال تعالى: ﴿إِذْ قَالَتْ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ* فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ* فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ (آل عمران:34-37).
جاء جبريل- عليه السلام- إلى مريم فبشرها بغلام طاهر، وقد اندهشت مريم فهي طاهرة عفيفة لم تتزوج، والغلام لا يجيء إلا من زواج أو سفاح، فقالت: ﴿ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُنْ بَغِيًّا ﴾ (مريم:20)، فأخبرها الملك أن ذلك بقدرة الله، وأن أمره بين الكاف والنون والله يخلق ما يشاء، وقد سمي عيسى كلمة الله لأن الحمل تم بقوله سبحانه ﴿كُنْ﴾، والنساء تحمل بعد إخصاب الرجال، ولكن مريم حملت بعيسى تنفيذًا لأمر الله، وتم الحمل وتمت الولادة، وتمنَّت مريم الموت حتى لا تقابل قومها ومعها غلام وليس لها زوج، فنطق الوليد ليطمئِن قلبَها، وأرشَدها إلى الأكل من التمر والشرب من الماء، وأمرَها بهزِّ النخلة لتأخذ بالأسباب.
ألـم تـر أن الله قـال لمــريم: وهزي إليك الجذعَ يسَّاقط الرطبُ
ولو شاء الله أن تنجبَه من غير هزَّة جنتـْه ولكن كـل شيء لـه سببُ!!
وأمرها الله بالصمت، وترك للوليد أن ينطق بما يثبت براءتها معجزةً من الله لها، فلما جاءت إلى قومها ووليدها على يديها نفر القوم منها وذكروها بأنها من ذرية صالحة فكيف جاءت بغلام من غير زواج؟! فأشارت إلى المسيح ليكلمَهم فقال لها القوم: أتسخرين منَّا وتستهزئين بنا؟! كيف نكلم طفلاً حديث الولادة؟! فأنطق الله المسيحَ في بيان واضح يخبرهم أنه عبدُ الله، وأن الله سيؤتيه الإنجيل وسيجعلُه رسولاً ويجعله مباركًا أينما حلَّ.. ﴿قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِي الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا* وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ ‎وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا* وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا* وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا* ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ* مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ (مريم:30-35).
3- السيدة هاجر
شاءت إرادة الله تعالى أن يظهر دور الأم وراء عدد من رسل الله.. كانت هاجر أم إسماعيل ترعاه صغيرًا، وتحوطه بعطفها فتًى وتظل تحوطه بحكمتها شابًا، وقد سجل الإسلام موقفها في البحث لوليدها عن الماء حين نفذ الماء منها وجفَّ اللبن في ضرعها، وأخذت تجري إلى جبل الصفا مرةً وتعود إلى المروة مرةً أخرى، حتى نبع الماء في هذه الصحراء استجابةً لدعوة إبراهيم أبي الأنبياء؛ حيث قال: ﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴾ (إبراهيم: 37).
وقد مرت قبيلة جُرهُم ورأت طيرًا يحوم حول زمزم فأدركت أن بالمكان ماءً، فاستأذنت من هاجر وشربت من الماء، ثم رغبت في الإقامة قرب زمزم فأذِنت لهم شريطةَ أن يكونوا ضيوفًا وجيرانًا لهم فقط، لا مُلاَّكًا للماء أو الأرض، فوافقت القبيلة وقد تزوَّج منها إسماعيل عليه السلام بعد أن شبَّ وكبر وبلغ مبلغ الرجال.
4- أم موسى عليه السلام
هي أم موسى التي أدركت المخاطر وخافت عليه القتل، فأمرها الله أن تُرضِعَه فترةً من الزمن، فإذا خشِيَت عليه من أتباع فرعون فعليها أن تضعَه في صندوق من الخشب وأن تلقيَه في البحر، وساقت الأمواجُ هذا الصندوق إلى قصر فرعون فالتقطه الجنود وقدموه إلى زوجة فرعون فرأت وليدًا جميلاً يكاد جبينه يضيء فقالت لفرعون وجنوده: ﴿لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾ (القصص:9).
5- أخت موسى عليه السلام
كلفتها أمها بمراقبة ومعرفة أخباره عن بُعد فتتبَّعَت سيرَ الصندوق، ورأت الوليد لا يقبل الرضاعة من المرضعات، فقالت الأخت كأنها مرشدةٌ أجنبية عنه: ﴿ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ* فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ﴾ (القصص:12).
6- زوجة موسى بنت نبي الله شعيب
فقد تربى موسى في بيت فرعون، وفي رعاية أمه التي كفلته كمرضعة له، ولما نما وترعرع حارَبَ الظلم والجور وأراد الملأُ من قوم فرعون أن يقتلوه فخرج من مصر خائفًا يترقَّب، فارًّا من الظلم والعدوان إلى أرض مدْيَن ووجد جماعةً من الناس يسقون أغنامهم ووجد امرأتين تَمنعان أغنامها من السقي، فسألهما عن حالهما فعرف أنهما لا يريدان الاختلاط بالرجال وأخبرتاه بأن أباهما شيخ كبير مسنٌّ لا يستطيع سقي الغنم.
فسقى لهما موسى في عِفَّة وأمانة وحزمٍ وقوةٍ ولاحظتْ بنتا نبي الله شعيب أن صفات الرجولة وقوة الإنسانية والعفة والاستقامة ممثلة في موسى فاقترحت إحداهما على أبيها أن يقيم معهم ليرعى أغنامهم، ويريحهم من الاختلاط بالرجال..﴿ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَةَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّالِحِينَ* قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ* فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنْ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ* فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِنْ شَاطِئِ الْوَادِي الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنْ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ (القصص:26-30).
فهي زوجة نافذة البصيرة أدركت بذكائها تفوق موسى، وسعت إلى الزواج منه، ورافقتْه في رحلته من مدين إلى مصر، وكانت معه حين منَّ الله عليه بالوحي والرسالة، وهو دور يذكِّرنا بدور خديجة بنت خويلد حين شدَّت أزر النبي الكريم- صلى الله عليه وسلم- وكانت أول من آمن برسول الله من النساء، بل أول من آمن به على الإطلاق.
7- خديجة بنت خويلد
من شريفات مكة، توفي زوجها أبو هالة، وترك لها ثروةً طائلة، ورغِبت عن الزواج، وتاجر النبي- صلى الله عليه وسلم- لها في مالها، وأعجبت بأمانته ورجولته، ورغبت في الزواج منه، وتمَّ ذلك الزواج المبارك وحضر عمه أبو طالب حفل الزواج وكان عمر النبي- صلى الله عليه وسلم- 25 سنة عند زواجه من خديجة التي بلغت من العمر40، وكان- صلى الله عليه وسلم- في شرخ الصبا، وريعان الفتوة، ووسامة الطلعة، وجمال القسمات، ومع ذلك ظلت السيدة خديجة هي زوجته الوحيدة 25 عامًا حتى توفيت قبل الهجرة بثلاث سنوات وعمرها 65 سنة.
وعُرفت خديجة برقَّة الشمائل، وكانت أعقل العقائل، وفضلى الفواضل، وهي أول من آمن بالنبي- صلى الله عليه وسلم- وثبتته وبشرته، وقالت له: “كلا والله لا يخزيك الله أبدًا؛ إنك لتصل الرحم، وتحمل الكَلَّ، وتُقري الضيف، وتعين على نوائب الزمان”، ووقفت مالها لخدمة الدعوة، وكانت تسرِّي عن النبي الكريم- صلى الله عليه وسلم- ورزقه الله منها الولد ثم مات الأبناء صغارًا، وعاشت البنات.
والأبناء هم القاسم- حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلقب بأبي القاسم- وعبد الله، الذي كان يلقب بالطيب والطاهر، ورزق النبي- صلى الله عليه وسلم- من السيدة خديجة بفاطمة ورقية وزينب وأم كلثوم، وقد زوَّج فاطمة من علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وزوَّج رقية من عثمان بن عفان، فلما ماتت زوجه النبي- صلى الله عليه وسلم- ابنته أم كلثوم، وبذلك ربط برباط المصاهرة بين أصحابه ووزرائه، كما تزوج بنتي أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
ومن ذلك نعلم أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قضى شبابه مع زوجة واحدة تكبُره بخمسة عشر عامًا وظل وفيًّا لذكراها حتى كان يذبح الشاة فيوزعها في أصحاب خديجة، وذهبت أختها هالة لزيارة المدينة، ولما سمع صوتَها قال: “اللهم هالة..!!” وكان صوتها شبيهًا بصوت خديجة ففرح بها واستبشر حتى قالت عائشة: ما خديجة!! كأن الدنيا لم يكن فيها غير خديجة..!! هل كانت إلا عجوزًا أبدلك الله خيرًا منها، فغضب النبي- صلى الله عليه وسلم- وقال: “والله ما أبدلني الله خيرًا منها، آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله منها الولد دون غيرها من النساء” قالت عائشة: لا أذكرها بعد هذا بسيئة أبدًا.
8- عائشة بنت أبي بكر الصديق
خطب النبي- صلى الله عليه وسلم- عائشة قبل الهجرة بثلاث سنوات، ولم يدخل عليها إلا بعد الهجرة إلى المدينة في شهر شوال من السنة الأولى للهجرة، وهي بنت تسع سنوات، ومكث معها في المدينة تسع سنوات، وكان عمرها عند وفاة الرسول 18 سنة، وعاشت عائشة مع النبي- صلى الله عليه وسلم- حياةً بسيطةً، ولكنها عامرة بالسعادة والرضا، تحفظ الحديث، وتتفقه في الدين، وتروي الشعر، وتعرف الحكمة، ويرجع إليها المسلون فيما يتصل بنظام الأسرة وأحكام الزواج والطلاق، وشئون العبادات والمعاملات، ويمكن أن نجمل حديثنا عنها في النقاط التالية:
1- كانت روايةً للحديث، وقد روي عنها الكثير، وعُرفت بأنها ثقة فيه لعقلها وخلقها وملازمتها لرسول الله- صلى الله عليه وسلم.
2- كانت مرجعًا لكثير من القضايا والمسائل الدينية، ولا سيما ما يتصل بحياة المرأة.
3- صحِبتْه- صلى الله وعليه وسلم- في كثير من غزواته، ولم تتردد في خدمة المحاربين وإغاثتهم بما هم في حاجة إليه.. روي أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- “رآها وأم سليم يوم أحد تنقلان القرب على ظهريهما، فتفرغان الماء في أفواه القوم، وتكرران ذلك”.
4- عُرفت بعطفها على الناس وبرِّها بهم.
5- كانت أذكي أمهات المؤمنين وأحفظهن، بل كانت أعلم من كثير من الرجال، قال عنها لزهري: لو جُمع علم عائشة إلى علم جميع أمهات المؤمنين وعلم جميع النساء، لكان علم عائشة أفضل.
وقد كان أبو بكر من السابقين الأولين للإسلام، وكان صاحب الرسول- صلى الله عليه وسلم- وحافظ سره والباذل نفسه وماله في سبيل الله، وكان زواج عائشة أعظم منَّة ومكافأة لصاحبه، وخير وسيلة لنشر سننه وفضائله الزوجية وأحكام شريعته ولاسيما التي تتعلق بالمرأة، ولم يُروَ في الصحيح عن أحد من الرجال أكثرُ مما روي عنها من الأحاديث إلا عن أبي هريرة وعبد الله بن عمر، وماتت في خلافة معاوية سنة 58هـ، ودفنت في البقيع وكان عمرها 67سنة.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

لا مَلجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلّا إِلَيهِ

خمسة توكل!قال الإمام القشيري:“لما صدَق منهم الالتجاء تداركهم بالشِّفاء، وأسقط عنهم البلاء، وكذلك الحقُّ يكوّر ...