مناجاة

monagah

 

إن عباد الله يدعون ربهم فى كل وقت وحين وهو قريب يجيب دعوة الداعى إذا دعاه، فقد قال تعالى :{ وإذا سألك عبادى عنى فإنى قريب أجيب دعوة الداعى إذا دعان * فليستجيبوا لى وليؤمنوا بى لعلهم يرشدون } .
لكن المناجاة لها جوها الخاص وأساليبها وتعبيراتها المتميزة ، خاصة إذا كانت فى جوف الليل الآخر ضمن قيام الليل ، حيث تتحقق الخلوة مع الله و التضرع إليه بعيدا عن الأنظار والأسماع فى هدأة الليل و الناس نيام فقد قال الله تعالى :{ ادعوا ربكم تضرعاً وخفية } ففى المناجاة يخلص القلب الى الله متخلياً عن كل ما سواه ، متحلياً بذل العبودية لله فى جو من الشعور بالضعف و قلة الحيلة واللجوء وطلب العون من القوى العزيز وجو من الشعور بخشية الله و الخوف من عذابه مع الاعتراف بالذنوب وبالتقصير فى حق الله ومع الإلحاح فى طلب العفو و المغفرة من العفو الغفور والشعور بالرهبة و الرغبة وبالطمع و الرجاء مع طلب الرحمة من الرحمن الرحيم .
وفى المناجاة يكون الحمد و الثناء والشكر و الدعاء و التقدير لله و التقديس والإجلال له ، ويكون التسبيح و التهليل والتكبير ويكون التوكل و الإنابة و التوبة والاستغفار ، ويكون طلب الهداية منه والاستعانة به والاستعاذة به وطلب النصر و التأييد فى الدنيا و الفوز و السعادة فى الآخرة ، كل ذلك فى ظلال :{ يحبهم ويحبونه}.
وإذا كان قيام الليل و المناجاة من الأمور اللازمة لكل مسلم فهى لمن يسلك طريق الدعوة ألزم وهو لها أحوج ، ففى قيام الليل إعداد قوى له ليتحمل مشاق الطريق وتكاليف الدعوة ، وما نحتاجه من صبر وقوة وعزيمة وإرادة ، ففى قيام لليل ترويض للنفس على غير ما ألفت من النوم و الدفء والراحة ، وفيه استمداد العون و الزاد من الله للقيام بأعباء الدعوة وأماناتها .
وقد وجه الله سبحانه وتعالى رسول صلى لله عليه وسلم فى الأيام الأولى للدعوة الى قيام الليل مشيراً الى ثقل الأمانة التى ستلقى عليه ، وأن فى قيام الليل استعانة من الله للقيام بها ، كذلك أوضح الصلة القوية بين قيام الليل وترتيل القرآن فقال تعالى :{ يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلاً * نصفه أو انقص منه قليلاً * أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلاً *إنا سنلقى عليك قولاً ثقيلاً *إن ناشئة الليل هى أشد وطئا وأقوم قيلاً }
و المناجاة غالباً ما تعكس الجو النفسى و المشاعر والأحاسيس التى يعيشها المناجى ، فيظهر ذلك فى أسلوب المناجاة وتعبيراتها .
وكما هو معروف فإن طريق الدعوة مزدحم بالأحداث ملىء بالأحوال المتغيرة ، مفعم بالآلام و الآمال ، فيه دعوة وإرشاد ومعالجة للنفوس و العادات فيها إعنات وإيذاء وفيه صبر واحتساب ، فيه جهاد وتضحية ، وفيه نصر وهزيمة ، فيه فتن وابتلاءات وفيه شرف وعزة ، فيه حب وإيثار وفيه استشهاد وفداء ، فيه صراع بين الحق و الباطل وفيه سيادة وتمكين لدين لله بإذن الله .
لهذا كله ولغيره نجد أن من يسلك طريق الدعوة حاجته ماسة الى المناجاة كما ان له فيها أسلوبه الخاص .
فمن غير الله يلجأ إليه ليبثه شكواه وآلامه وما يعتمل فى نفسه؟
من غير الله يفزع إليه فى مراحل الطريق الموحشة القاسية ؟
من غيرالله يلجأ إليه ليؤمن روعه ويذهب خوفه؟
من غير الله يدعوه ليفرج كربه وهمه ويذهب حزنه ؟
من غير الله يؤنس وحدته فى ظلام زنزانته المغلقة ؟
من غير الله يسأله أن يخفف ألم السياط وصنوف التعذيب الواقعة على جسده ؟
من غير الله يلوذ به عندما يشتد به الحال من كيد الظالمين وبطشهم ؟
من غير الله ينزل عليهالسكينة ويملأ قلبه طمأنينة وسط هذا لجو من الظلم و الظلام ؟
من غير الله يحفظه من الفتن ومن نزغات الشيطان ووساوس النفس ؟
من غير الله يحفظه ويعصمه من الانحراف عن طريق الدعوة وعن الصراط المستقيم ؟
كيف لايلجأ الى الله وهو لايستطيع أن يخطو خطوة على طريق الدعوة إلا بأمر من الله وعونه؟
كيف لا يلجأ الى الله دائماً وهو إذا وكله الله الى نفسه طرفة عين ضل أو زل ؟
كيف لا يلجأ الى الله وهو الفقير الى الله والله هو الغنى ؟
كيف لا يلجأ الى الله وهو الضعيف والله هو القوى ؟
كيف لا يلجأ الى الله وهو المذنب فى حق الله و الله هو الغفار التواب الرحيم .
ما أشد حاجة من يسلك طريق الدعوة الى أن يمسح الله على قلبه فيطهره من أمراض القلوب ليكون قلبه خالصاً سليماً نقياً ! .
ما أشد حاجته الى أن ينظر الله إليه فى جوف الليل نظرة رضاء وقبول .
ما أشدحاجته الى أن يفتح الله له أبواب رحمته ، فلا فلاح ولا نجاح له إن أمسك الله عنه رحمته .
ما أشد حاجته الى أن يمسح لله على قلبه فيزيل ما عليه من ران أو أقفال حتى يشع نور القرآن فى قلبه .
ما أشد حاجته الى مناجاة ربه ليحظى بزاد الإيمان الذى يعينه على مشاق الطريق ومزالقه .
ما أشد حاجة الأرواح عندما تظمأ الى أن تجد الرى فى حسن صلتها بالأصل الذى نفخت منه فى هذا الوعاء الطين الفانى.
* ثم إن العمل على طريق الدعوة لاتغنى فيه الكفاءة الإدارية والدقة فى التنظيم والحركة إذا لم يصاحب ذلك ويعلو عليه الزاد الروحى وقوة الصلة بالله بما يؤهل لتوفيق الله وللحفظ من الخطأ والانحراف ، والمناجاة وسيلة لجلب هذا الزاد .
* و العمل على طريق الدعوة يعتمد على كسب القلوب وتزكية النفوس ولا يقدر على ذلك إلا من تزود ليفيض على غيره وإلا ففاقد الشىء لا يعطيه .
* و العمل على طريق الدعوة يحتم على العامل أن يعرض بين الحين والحين عمله وإنتاجه عل من له الأمر كله و الذى يجازيه على عمله مستلهماً إياه قبول ما وفقه إليه من عمل صالح ، ومستغفراً إياه عما حدث منه من تقصير ويسأله الرشد و السداد و العون، ماأجمل أن يتحق ذلك فى ظل المناجاة دون واسطة .
* وأثناء العمل على طريق الدعوة يدخل الشيطان أحياناً ويوقع الخلاف بين العاملين وقد يتعوق أو يتعثر الإصلاح بينهم ، وتعتصر القلوب الصادقة ألماً لهذا الحال ، فمن غير الله يلجأ إليه ويطلب منه أن يعيذهم من نزغ الشيطان ويؤلف بين القلوب ويصلح ذات البين ؟
من أجل ذلك كله وغيره نجد أن ( المناجاة على طريق الدعوة ) لها أهميتها ولها طابعها وأسلوبها الخاص بها وتذوقها المتميز ، الذى نرجو الله أن يوفقنا لصياغته ليكون عوناً لسالكى طريق الدعوة عند مناجاتهم لربهم سائلاً إياهم دعوة لى بظهر الغيب فى تلك الأوقات الطيبة المباركة .
ولماكان أفضل وقت للمناجاة هو وقت السحر فى هدأة الليل وبين ثنايا التهجد وقيام الليل فلعله من المفيد أ ن أذكر بتوجيهات ودعوات للرسول صل الله عليه وسلم فى هذا المجال :
*فعن ابن عباس رضى الله عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يتهجد قال ? اللهم ربنا لك الحمد أنت قيوم السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت مالك السموات والأرض ومن فيهن ،ولك الحمد أنت الحق ووعدك حق ولقاؤك حق وقولك حق و الجنة حق و النار حق و النبيون حق ومحمد صلى الله عليه وسلم حق و الساعة حق ، اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت ،فاغفر لى ما قدمت وما أخرت وماأسررت وماأعلنت وما أنت أعلم به منى ، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت ) أخرجه الستة .
ومن الأفضل أن نبدأ المناجاة بالحمد والثناء لله ثم الصلاة و السلام على رسول الله كما نختمها أيضاًبالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
* عن أنس رضى الله عنه قال : دعا رجل فقال : ( اللهم إنى اسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السموات والأرض ذو الجلال والإكرام يا حى ياقيوم ، فقال النبى صلى الله عليه وسلم : أتدرون بما دعا الرجل ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : و الذى نفسى بيده لقد دعا الله باسمه الأعظم الذى إذا دعى به أجاب وإذا سئل به أعطى )أخرجه أصحاب السنن .
* وعن ابن مسعود رضى الله عنه قال : أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن فى مجلس سعد بن عبادة فقال له بشير بن سعد :أمرنا الله أن نصلى عليك يارسول الله فكيف نصلى عليك ؟ قال ? قولوا : اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، والسلام كما علمتم ) أخرجه الستة إلا البخارى.
– يارب لك الحمد كما ينبغى لجلال وجهك وعظيم سلطانك ، لا نحصى ثناءاًعليك أنت كما أثنيت على نفسك ، عز جارك وجلَّ ثناؤك ولا إله غيرك .
– يارب إنا نعجز أن نحصى نعمك فكيف نقدر على شكرك عليها ؟
– نحمدك حمداً وافراً على أفضل نعمك علينا وهى نعمة الإسلام ، ذلك الدين القيم الذى ارتضيته لعبادك وقلت :{ ومن يبتغ غير لإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو فى الآخرة من الخاسرين } .
– ونحمدك يا ربنا أن مننت علينا بمعرفتك وبالإيمان بك فجعلناك غايتنا ورضاك عنا هدفنا ومقصد سعينا فاجعلنا من الصادقين ، ونحمدك أن صيرت لنا محمداً صلى الله عليه وسلم نبياً وهادياً لنا الى صراطك المستقيم فاتخذناه قائداً ورائداً لنا على طريق الدعوة فوفقنا لحسن الاقتداء به .
– ونحمدك يا رب أن تفضلت علينا بكلامك العزيز هذا القرآن المجيد الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه نزل به الأمين جبريل على قلب الأمين محمد صلى الله عليه وسلم فكان لنا نوراً وهدىً ورحمة وموعظة وشفاء لما فى الصدور .
– ونحمدك يارب أن يسرته لنا لنتدبر آياته وتعهدت بحفظه فوصلنا كما أنزلته دون تحريف أو تبديل فاتخذناه دستوراً ومنهجاً لنا فاجعله يارب ربيع قلوبنا ونور صدورنا .
– أحمدك يارب أن سخرت من عبادك من يأخذ بيدى الى طريق الدعوة الى صراطك المستقيم كى أسير مع العاملين الصادقين فثبت اللهم أقدامى على طريقك .
– وأحمدك ياربى أن عرفت معهم واجباتى نحو الإسلام والمسلمين ومعنى إنتمائى للإسلام .
-أحمدك ياربى وأشكرك أن يسرت لى أن أفهم الإسلام فهماًشاملاً سليماً نقياً كما جاء به نبيك محمد صلى الله عليه وسلم بعيداً عما وقع فيه الكثير من فهم مجتزأ أومحرف و ما وقع فيه البعض من مغالاة أو تفريط .
-أحمدك ياربى أن وفقتنى للعمل للإسلام فى الطريق الصحيح فما أكثر من ضلوا طريق العمل أو لم يوفقوا للعمل أصلاً .
– وأحمدك ياربى أن أعنتنى على القيام بتكاليف العمل وتحمل مشاق الطريق فالفضل منك وإليك فأدم علىّ فضلك بالصبر و الثبات وبالتوفيق و السداد حتى ألقاك وأنت عنى راض ياواسع الفضل وياذا الجلال و الإكرام .
– أحمدك وأشكرك ياربى أن وفقتنى لحمدك وشكرك فقليل من عبادك الشكور .
اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم فى العالمين إنك حميد مجيد .
اللهم آت سيدنا محمد الوسيلة و الفضيلة و الدرجة الرفيعة فى الجنة وابعثه اللهم مقاماً محموداً الذى وعدته إنك لا تخلف الميعاد .
اللهم إنى اشهدك أنه أحب الى من نفسى التى بين جنبى ، اللهم كما آمنت به ولم أره فلا تحرمنى فى الجنات رؤيته وصحبته واسقنى من حوضه شربة لا أظمأ بعدها أبداً .
اللهم صلى عليه وعلى آله وأصحابه وأنصاره وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته أجمعين وسلم تسليماً .

x

‎قد يُعجبك أيضاً

لا مَلجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلّا إِلَيهِ

خمسة توكل!قال الإمام القشيري:“لما صدَق منهم الالتجاء تداركهم بالشِّفاء، وأسقط عنهم البلاء، وكذلك الحقُّ يكوّر ...